على المقلب الآخر من الزمن - إلى العالمية
24-Oct-2021 - ASHARQ AL-AWSAT
أفضل ما تم تصميمه لتكريم «الكوميديا الإلهية» خارج إيطاليا بشهادة أهل
بيروت: فيفيان حداد
«أشك في أن يكون أحد البلدان الأجنبية، طبعاً غير إيطاليا، قد كرم دانتي في الذكرى 700 لوفاته بعمل فني أفضل من الذي نراه اليوم في بيروت، موقعاً من نايلا رومانوس إيليا». هكذا وصفت رئيسة المركز الثقافي الإيطالي في لبنان مونيكا زكا، التجهيز الفني «على المقلب الآخر من الزمن» لـ«الشرق الأوسط». وتمت إزاحة الستارة عن العمل في الباحة العامة لكنيسة مار إلياس في منطقة ميناء الحصن. المهندسة المعمارية نايلا رومانوس إيليا، استوحته من الملحمة الشعرية لدانتي إليغييري «الكوميديا الإلهية»، ويأتي العمل بالتوازي مع الاحتفالات التي تقام في مختلف دول العالم احتفاء بالذكرى 700 لوفاته، وفي إطار الأسبوع الحادي والعشرين للغة الإيطالية عالمياً.
يعكس التجهيز الفني موضوع قصيدة «الكوميديا الإلهية» التي تعود إلى العصور الوسطى، ويترجم بشكله المؤلف من دوائر حديدية وركائز من الإسمنت، سرداً لرحلات دانتي عبر الجحيم والمطهر والجنة التي وصفها في قصيدته. كما ترمز إلى رحلة الإنسان عبر الحياة، في ظل توقه إلى الخلاص وإدراكه عواقب الخطيئة وأمجاد السماء.
متأثرة بقصيدة «الكوميديا الإلهية» لدانتي، وبأبحاث كثيرة أجرتها حولها، استنبطت نايلا رومانوس إيليا، مدى انسجام موضوعها المعاصر مع ما يحصل اليوم في العالم. «إنها تعني لي الكثير، وكنت أقرأها بنهم، وهي تشير بوضوح إلى أننا في حياتنا نقوم بأعمال شريرة وأخرى خيرة، وسيصل اليوم الذي نحاسب فيه عليها. وفي حال لجأ الإنسان إلى التوبة، كما يذكر دانتي في قصيدته، فإن الأمل يكون كبيراً بمسامحته ومحو خطاياه والوصول إلى الفردوس». وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذه القصيدة تحيي بطريقة أو بأخرى الطيبة وانتصار السلام، وتعطي الأمل بالخلاص. من هنا أقمت مقارنة ما بين القصيدة ووطننا، فنحن للأسف نعيش في بلد لا محاسبة فيه. والناس تقدم على أخطاء كثيرة، من صغيرها إلى كبيرها، تماماً كما يدرجها دانتي في قصيدته. وأقسى هذه الخطايا هي التي يقترفها الناس ويتسببون بأذية غيرهم، لأن البعض ارتكب خطايا يتحملها الشعب مباشرة. كل ذلك دفعني لمقاربة القصيدة في هذا التجهيز الفني، خصوصاً أنها تحمل الأمل بنهاية سعيدة».
اختارت نايلا رومانوس إيليا، الساحة العامة أمام كنيسة مار إلياس في منطقة ميناء الحصن، مكاناً دائماً لاستضافة عملها الفني. لماذا هذه النقطة بالذات؟ ترد: «الموقع في وسط بيروت، ويطل على وجهات مختلفة. كما يشرف على فندق الـ(هوليداي إن) الذي لا يزال يحمل بصمات الحرب اللبنانية حتى اليوم. وجدت المكان مناسباً جداً لموضوع العمل، خصوصاً أن دانتي وصف عوالمه الثلاث، جهنم والمطهر والفردوس، من خلال دوائر مختلفة. وعندما نظرت إلى واجهة الكنيسة هنا، لاحظت أن بعض نوافذها تم هندستها على شكل دوائر فربطت بين الأمرين. كما أن الموضوع الأساسي للقصيدة هو الخلاص، أي الارتقاء نحو السماء، إذ تتفلت روح الإنسان لتعانق ربها متجهة صعوداً. الساحة هنا غير مستقيمة وفيها تدرجات، فوجدتها تلائم معاني العمل، المرتبط ارتباطاً مباشراً بقصيدة دانتي ذات المراحل الثلاث».
تغوص نايلا رومانوس إيليا بقصيدة دانتي، خلال تحدثها عنها إلى حد الذوبان في معانيها وتحليلها منطقياً وفلسفياً. وتشرح طبيعة المواد المستخدمة في التجهيز الفني الذي نفذته في عام 2019، ويتألف من 9 دوائر ضخمة. «خصصت لكل مرحلة من المراحل التي يتحدث عنها دانتي مادة معينة. جهنم التي تقع في أسفل العمل صنعتها من الفولاذ بلون الصدأ، يعرف بـ(كورتين). أردته كذلك للإشارة إلى الزمن الطويل الذي يمضيه الإنسان مقترفاً الخطايا فيتآكله الصدأ. أما المطهر ولأنه جبل كما يذكر دانتي صنعته من الإسمنت ووزعت هضباته تحت التجهيز الفني، تزينه شجرة من الفولاذ أيضاً. أما الجنة فلأنها تحلق في فلك السماء وبخفة وبحركة دائمة، استخدمت معدن (الـستانليس ستيل) للإشارة إليها. وللتفريق بين المراحل الثلاث اعتمدت الاختلاف في طابع كل مرحلة ممثلة بهذه الدوائر. وأحببت أن أحدد الدوائر الأخيرة التي تشير إلى الجنة بدوائر معدنية مرت عليها الفرشاة ليصبح ملمسها ناعماً. كما أنها تنتهي بدائرة كروية (sphere) لماعة تدل على عظمة الله بحيث لا يمكن لمسها».
كان الاحتفال بإزاحة الستارة عن العمل قد تأجل أكثر من مرة منذ انتهاء الفنانة من تنفيذه في عام 2019، بسبب انتشار الجائحة مرة، وانفجار بيروت مرة أخرى. «لست نادمة على التأجيل لأن العمل معاصر، وكلما تقدم الوقت، اكتشفنا مدى ارتباطه بواقعنا»، تختم نايلا رومانوس إيليا.
أقيم الحفل بالتعاون مع «المعهد الثقافي الإيطالي» في بيروت، وبحضور سفيرة إيطاليا في لبنان نيكوليتا بومباردييري، وتخلله عرض موسيقي راقص تم تصميمه بشكل خاص ليتلاءم مع فكرة العمل الفني المعروض أي «على المقلب الآخر من الزمن». وأكدت رئيسة المركز الثقافي الإيطالي مونيكا زكا، لـ«الشرق الأوسط»، أنها ستسوق للعمل عالمياً، وتدعم انتشاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، كي يأخذ حقه.