دانتي مستلهماً في بيروت: العقاب والتطهر
24-Oct-2021 - AL MAYADEEN
لبنان | نقولا طعمة
نايلا رومانوس إيليا تنجز عملا فنياً في في بيروت، وتستلهم رؤاه ومضامينه من "الكوميديا الإلهية" لدانتي في الذكرى الــ 700 لرحيله.
ستضافت محلة "ميناء الحصن" في بيروت حفل كشف الستار عن عمل فني وتجهيزي للفنانة اللبنانية نايلا رومانوس إيليا، مستلهمة رؤاه ومضامينه المتراوحة بين "العقاب والتطهر" من "الكوميديا الإلهية" للشاعر الإيطالي دانتي ألغييري (-1265 1321) في الذكرى الــ 700 لرحيله. العمل يطرح تساؤلا يوميا ال وتطوراته، والقادم من الزمن؛ أسئلة أوحت للفنانة بعنوان العمل: "على ً عن الماضي وواقع الح المقلب الآخر من الزمن." ويمكن تلخيص جوهر العمل بشموليته بجدلية الخير والشر، ومعالجة روحيتها بمضامين مسار "الكوميديا الإلهية" من جهنم إلى المطهر فالفردوس، مؤملة بأن الخير منتصر، وأن كل ما ٍ يعيشه لبنان من مآس زائل في النهاية. ً ّ ، والفن في هكذا ظروف ليس أولوية بالنسبة لمعيشة ّ وقالت الفنانة في حديث مع الميادين الثقافية: "نمر في ظروف صعبة جدا الناس، وأتمنى أن يتمكن كثيرون من اكتشاف هذا العمل لأن الفن يمكن أن يشكل حاجة للانسان تبقي له بصيص أمل بالخلاص إذا توفرت الإرادة ." وركزت أنه "بالنسبة لدانتي، إن الخطأة الذين لم يتوبوا من ارتكاب إساءات كهذه يذهبون إلى أدنى دائرات الجحيم، فيتعذبون خاضعين لعقوبات أبدية ليس بسبب أفعالهم فحسب، بل أيضا ." ً بسبب التعطيل الخطير الذي ألحقوا المجتمع به من هذه الروحية الجامعة بين "الكوميديا الإلهية" وتطورات لبنان الدائمة، استلهمت الفنانة رومانوس إيليا عملها التجهيزي المعبر عن مراحل، وتطورات قصيدة دانتي.
"تتيح المناسبة الفرصة للناس أن تعرف الموضوع، وتشارك فيه"، تقول رومانوس إيليا إنها "لمست شغفا تعود مبادرات إحياء الساحات العامة بأعمال من هذا النوع"، مضيفة: "بالأمس القريب، بعد الافتتاح، شعرت أن حلمي تحقق، ً ّ على الأيام العصيبة التي نمر بها، وكنت سعيدة بالتفاعل مع الحاضرين، وأحسست أنني شاركته مع الناس، وقدمت للمدينة شاهدا وتبادل الرؤى معهم ."
ما الموقع الذي اختارته الفنانة رومانوس إيليا فهو باحة كنيسة مار الياس في "ميناء الحصن"، وفي المنطقة شعور بالحنين لموقع طالما مرت قربه نحو مدرستها: "المدرسة التي كنت أرتادها قبل بدء الحرب الأهلية، كانت تقع على مسافة بضع خطوات لا أكثر من الساحة"، كما عبرت إيليا عن نفسها. ً من النقص الفادح في الأمكنة العامة، كالساحات، وقالت: "نادتني المساحة لحظة وقوع نظري عليها". وأضافت: "انطلاقا والحدائق، والمتنزهات، أردت أن أبث الحياة في المكان، لكي أجعله يدعو الناس اليه، فهذا المشروع، أردته هدية لمدينة بيروت، لعل جميع سكانها يستمتعون به." ،ً 3 أجزاء، يرمز كل منها الى أحد أجزاء القصيدة، وهي "الجحيم" ً مربعا ويتضمن التجهيز الذي يمتد على مساحة 50 مترا ً أن أعلى نقطة فيه، ترتفع و"المطهر" و"الفردوس". كما يمتد التركيب على 3 منصات من أصل 4 تتألف منها الباحة، علما نحو 9 أمتار عن سطح الارض. وتتحدث رومانوس إيليا عن هذه التجربة الأخيرة لها، فبنظرها "اختلفت عن بقية أعمالي لأنه بعد أن حان وقت التنفيذ، كان يفترض رفع الستار عن العمل مرتين، الأولى في تشرين الثاني ،2019 لكن تحركات الشارع، والمظاهرات، وإقفال الشوارع حال دون ذلك، والمرة الثانية في آذار/مارس 2020 فحل "كورونا" ليمنع إقامة الحفل ." ،ً فلذلك أهمية متجددة بالنسبة لها، حيث "تكمن أهمية العمل بعد تحققه، ولم يعد مجرد فكرة، لأنه أما وقد تحقق المشروع حاليا يندرج في إطار الفنون العامة، وليس مخصصا (Art Public (يستهدف ً لأحد معين، لمنزل، أو محيط خاص، فالفن العام العموم من الناس، ويهدف لإيصال فكرة، أو توعية أو يسد حاجة عند الناس، وهو يؤدي مهمته حيث أقيم بصورة دائمة ." في تجهيزها، تجسد رومانوس إيليا "المطهر" بعشر أسطوانات خرسانية، تتمتع بمقاسات وملامس مختلفة توازي بأحجامها تلك المخصصة للجحيم. ولدى تركيبها على نحو يتداخل بعضها مع بعض، يبدو حجمها الاجمالي يملأ الفراغ وسط الهيكل المعدني الصدئ الذي تتمحور حوله هذه الاسطوانات.
ما "الفردوس" وهو الجزء الأخير من رحلة دانتي، فيتمثل بتجهيز ضخم وديناميكي، يتألف من 9 حلقات متفاوتة الأقطار َ ِّ ت التجهيزات التي تجسد الجحيم والمطهر، فيما ّت ِب ُ ومصنوعة من المعدن المصقول لمقاومة الصدأ. يغطي المساحة حيث ث ً ّ ، لتنتهي متوجة بدائرة مجوفة من الفولاذ المصقول واللامع، وتبدو أشبه بدائرة، لتمتزج تترابط الدوائر ويدعم بعضها بعضا مع كل ما يحيطها، وتستمر بحركة تصاعدية باتجاه السماء . َشغَل صلب مشروع رومانوس ايليا، يحتوي التجهيز على عناصر اسطوانية تمثل فسحات ً انسجاما مع فكرة الشمولية التي ت "المطهر" والتي يسمح بالجلوس عليها .
وتقول رومانوس ايليا: "حاليا ،ً هناك مقعد واحد فقط في الساحة، علما ن الناس غالبا ما يجلسون على الحاجز أو يفترشون الأدراج، ما يعني أن التجهيز سيقدم وسيلة راحة، تعتبر جوهرية في مساحة عامة."
يذكر أن الستارة رفعت عن العمل في حفل أقيم مساء الأربعاء الماضي، في الباحة العامة المجاورة لكنيسة مار الياس في "ميناء الحصن، بالشراكة مع "المعهد الثقافي الايطالي" في بيروت، وبحضور سفيرة إيطاليا في لبنان نيكوليتا بومباردييري. ّدة اللويزة" بإشراف المدير الفني الأب خليل رحمة، والمدرب ماريو ّات "جامعة سي ً لوتري ً موسيقيا وتضمن الحفل عرضا ً مقتطفات من "سمفونية دانتي" لفرانز ليست، إعداد رمزي قندلفت، وعرض راقص ليارا بستاني ونادر الراعي، وتخلله أيضا ُ بحسون، صّمما خصيصا . ً للمناسبة ّصميم الداخلي ّة، طالت إنجازاتها العديدة في مجال مشاريع الت ّانة لبناني ّة وفن أما نايلا رومانوس إيليا فهي مهندسة معماري ّة في لبنان . رميم والهندسة المعماري والت ً إلى دبي، وزارت أنحاء مختلفة من العالم مطلعة ّة إلى باريس ثم لندن وهونغ كونغ وصولا غادرت بلدها بنهاية الحرب الاهلي على الآثار الثقافية والفنية الخاصة بكل مدينة، وفي العام 2011 بدأت بالنحت فعشقت هذا الفن وكرست نفسها له.